قصيدة الشاعر اللبناني الدكتور فاروق شويخ في مهرجان الصادقين (ع) الشعري السادس
فكرةُ السماء
1
مثلما يولدُ الصّدى في الزمانِ
هكذا اليومَ يولدُ الصادقانِ
حمَلا فكرةَ السماء إلى الأرض
لتبني جلالةَ الإنسانِ
فكرةٌ لفّتِ الوجودَ بشمسٍ
أشرقتْ في المكانِ واللامكانِ
***
2
يا رسولَ السّماءِ، أَشرِقْ على الكون
ليصحو الضياءُ في الأكوانِ
حين يا سيدَ الجِنان وُلدتَ
الكونُ أضحى مُتيّمًا بالجنانِ
خَرَّ نَجمٌ؛ فبات من غير لألاءٍ،
وقصرٌ أمسى بلا إيوانِ
كانتِ الأرضُ قبلُ مُختلّةَ الوعي
فكنتَ استقامةَ الميزانِ
يا رسولاً أهدى الوجودَ خطى الضوء
لكي تهتدي خطى العميانِ
دينُهُ أَتحَفَ الدياناتِ لـمّا
صار في الأرض سيدَ الأديانِ
أَعجَزَ الأوّلين بالخُلْقِ، لكنْ
أَعجَزَ الآخِرين بالقرآنِ
***
3
والإمامُ العظيمُ صادقُ آلِ البيتِ
أَرضى الدليلَ بالتبيانِ
هو في العلم حُجّةٌ، وهْو في الخُلقِ
تَخَطّى سماحةَ الإيمانِ
ليس غَروًا إنْ كان مولدُهُ اليومَ
قرينًا لمولدِ العدنانِ!!
أَيقِظا أنفُسًا غفَتْ، وأَضيئا
ظلمةَ الروحِ أيها القمرانِ
***
4
يا رسولَ السماءِ يا بادعَ الحرفِ
صليلُ الحروفِ سرُّ البيانِ
خُذْ من الشِّعر رائعاتِ القوافي
ومن الحرف كبرياءَ المعاني
وأَعِرْني سمْعَ الملوكِ فإني
شاعرٌ من معرّةِ النُّعمانِ
جئتُ أهديكَ من معارج إلهامي
قوافي الخيّام والذُّبياني
وإذا لم أكنْ أنا المتنبّي
أنت لي سيفُ دولةٍ حمْداني!!
***
5
جئتُ للشعر! فالجنونُ إذًا باتَ
نديمَ الألحانِ والأوزانِ
إنما الشعرُ عالَمٌ من جنونٍ
عبقريُّ الخيال والوجدانِ
فيه تصفو الرؤى ويندلع الحسُّ
ويَهوي الخيالُ في الذّوبانِ
فيهِ إثمُ الجاني وصومعةُ النّاسِكِ،
سرُّ الضلال والإيمانِ
حَيرةُ الروح والتأملُ والحُلْمُ
وعصفُ الجنونِ… والهذَيانِ
***
6
يا رسولَ السماءِ إرثُكَ والوحيُ
دليلي إلى دمي وكياني
أنا أهواكَ لا لشيءٍ؛ سوى أنّكَ
نورُ الأرواحِ والأبدانِ
أنا أهوى ليرتوي جَدْبُ وجداني
وينمو الهُيامُ في أفناني
أنا أهوى لتنتشي دمعةٌ خائرةُ
الرغبةِ في جدول الهوى الريّانِ
لستُ أقوى على الصّدود أنا
بالكاد عندي فمٌ وعندي يدانِ
كلُّنا فيكَ بات هيمانَ صبًّا
قلبُكَ الدهرُ والقلوبُ ثوانِ
يتركُ العشقُ في الوصالِ جنونًا
أكذا العاشقانِ يلتقيانِ!!
وفمي المستهامُ يَنزفُ لمـاّ
أمدحُ الصادقينِ نَزْفَ كمانِ
إنني أنتمي إلى المحتِدِ الحقّ
وإنْ خار منطقي ولساني
وإذا ما قصّرتُ في نَسبي كان
جزائي عقوبةَ الغفرانِ
فتكلّمْ واخطُرْ، لأُصغي وأرنو
أنا كلّي: عينايَ والأُذُنانِ
***
7
جئتَ من سدرة السماء رسولاً
تتهادى بحكمة الرحمنِ
أطلقتكَ السماءُ نحو ثراها
هائلَ الفكر هائلَ الإمكانِ
دوحةً تُمطرُ الظّلالَ على الخَلق،
على القيظِ، ثرّةَ الأغصانِ
إنّ أرضًا فيها كتابُ رسولِ الله
لا تنحني لأيّ هوانِ
لا فسادٌ فيها ولا أيُّ إفسادٍ
ولا يحكمُ الورى رأيانِ
***
8
إنّ حكّامَنا متى هجروا المبعوثَ
باؤوا بالخِزي والخِذلانِ
أين إسلامُنا وتاريخُنا الفذُّ!
وتكبيرُنا وصوتُ الأذان!!
ظلّ من دينِنا بقايا فروعٍ
وسطورٍ مهجورةٍ ومَثاني
كم عهودٍ خلتْ! ولم يبقَ فينا
منهمُ غيرُ الحفلِ… والمهرجانِ!!
نحن نَروي، لكنْ بلا أيّ إسنادٍ
ونُصغي لكنْ بلا آذانِ
نحن أَسرى المؤامرات التي حيكتْ،
ضحايا مكائد العدوانِ
لا نخوضُ الحروبَ إلا علينا
وعلى أهلِنا بشكلٍ مُهانِ
فتداعتْ مدائنٌ فاضلاتٌ
وهوتْ جمهوريةُ اليونانِ
كالذي حلّ في العراق مرارًا
والذي اغتالَ ثروةَ السّودانِ!!
فمتى يا رسولُ تأتي إلينا
ليديرَ الزّمامَ ذو السُّلطانِ!!
لتعودَ الهجانُ عجفاءَ؛ أَجدى
من مِراسِ الورى مِراسُ الهجانِ!
فخيامُ الكثبانِ أرفعُ شأنًا
من قصورٍ شيدت على العمرانِ
9
كم مليكٍ طغى وخلّف دنيًا
لم تدَعْ بعدَهُ سوى الطُّغيانِ
قيصرُ الروم صال ثمّ تلاشى
وتوارى كسرى أنو شروانِ
وعبورُ الحجّاجِ رُغمَ صداهُ
مَكْثُهُ وارتحالُهُ سِيّانِ
كُثُرٌ راهنوا على أن يكونوا
دُررًا للدهور والأزمانِ
إنما ظلّ المصطفى الصادقُ المختارُ
أحرى بكسبِ ذاك الرهانِ
مثلما ظلَّ في الجنوب رجالٌ
أتحفوا العنفُوانَ بالعنفوانِ
المكانُ القِدّيسُ أنبتَنا أجراس
عطرٍ تُضيءُ كالأقحوانِ
نحن أَسرى المكان؛ نَهجُرُ دنيانا
وتبقى وجوهُنا في المكانِ
أنا حسبي بأنني من جنوبٍ
قال للمجد: أنتَ من لبنانِ
***