قصيدة الشاعر السنغالي محمد الأمين جوب في مهرجان الصادقين (ع) الشعري السادس

 

الغوث الأخير

 

كَبيرًا كفِردَوسِ الحَنَانِ لَمَحْتُهُ

وَلَم أَدْرِ يَا أُمَّاهُ كَيفَ عَشِقْتُهُ

رَفيعًا كَأَبْوابِ السَّماءِ يَلُوحُ لِي

يُوزِّعُ قَمحَ الحُبِّ أَنَّى وجَدْتُهُ

يُعلِّقُ مَا بَيْنَ الحَدَائِقِ غَيْمَةً

فَيَخْضَرَّ فِي أَقْصَى المَدَائِنِ نبتُهُ

لأَنَّ ظَلاَمًا مَا أَطَلَّ عَلى الرُّبَى

يُقِيمُ عَلَى الأَحْجَارِ حينَ يَفُتُّهُ

سَيُطفِئُ جَمْرَ الضَّيْمِ لاَ دَمَ بَعْدَهُ

يُرَاقُ وللأَحْقَادِ للوَأْدِ مَقْتُهُ

تَقُولُ لِي الشَّمسُ المُشِعَّةُ لَمْ أَكُن

كَمَا أَنَا، ضَوئِي مِن سَنَاهُ اقْتَبسْتُهُ

يَمُدُّ شِرَاعَ الحُبِّ ينتَشِلُ الوَرَى

مِنَ الحَرْبِ والحُزْنُ القَدِيمُ يَبُتُّهُ

يُحَطِّمُ تِمثَالَ الدِّمَاءِ فَ(خَزْرَجٌ)

يُعَانِقُ (أَوْسًا) والصَّبَابَةُ سَمْتُهُ

ويَمشِي خَفِيفَ الظِّلِ فِي تِبرِ أَرضِهِ

وَلَيْلُ ثَنِيَّاتِ الوَدَاعِ يَشِتُّهُ

تَفَجَّرَ مِنهُ النَّبعُ مُذْ نَطَقَ الحَصَى

أَضَاءَ بِهِ التَّارِيخُ والخُلدُ زَيْتُهُ

أَراهُ سَمَاوِيَّ المَلاَمحِ دَأْبُهُ

ارْتقَاءٌ إلى العِرفَانِ والقُربُ بَخْتُهُ

أَراهُ يَتيمًا فِي الجَمَالِ مُرَصَّعًا

كَوَجْهٍ مِن اليَاقُوتِ قَد شَفَّ نَحْتُهُ

أَرَاهُ كَمَا شَاءَ البَهاءُ لأَهلِهِ

حَنينَ خُطًى مُذْ ذَابَ فِي الكَشْفِ وَقْتُهُ

تَرَبَّى عَلى عَرشِ الكَلامِ وَلَم يَزلْ

فَصِيحًا ولَمْ يُفْطَمْ مِنَ الحَقِّ صَوْتُهُ

بِلاَلٌ أَنَا أَذَّنتُ فِي اللهِ مُنذُ أَنْ

تَوَهَّجَ رَطْبُ النُّورِ حَتَّى قَطَفْتُهُ

أُكَابِدُ في بَحْرِ الخَيَالِ ولَوْعَتِي

رَبِيعِيّةٌ قَلْبِي تَأَرْجَحَ يَخْتُهُ

وَأَبْحَرْتُ فِي بَحْرِ الفُتُوحَاتِ لَمْ أَجِدْ

وَلِيًّا يُنَادِي فِيهِ إلاَّ تَبِعْتُهُ

(مُحمّدُ) يَا كَنزَ السِّمَاكَيْنِ يا أَبًا

لكُلِّ اليَتَامَى يَا حَبيبًا نَدَبْتُهُ

أَنَا أَوَّلُ الآتينَ مِن مُدُنِ الرُّؤَى

إليكَ و(زِرْيَابُ)[1] المَكَانِ مَسَحْتُهُ

هُنَالِكَ (إبْرَاهيمُ) يحْنُو لِكَبْشِهِ

ولَكنَّ كبشَ الرُّوحِ شَوْقًا ذَبَحْتُهُ

وفِي القُبَّةِ الخَضرَاءِ تَنعَسُ حِكْمةٌ

ونَبضٌ بِمِقْدَارِ السَّمَاوَاتِ خَفْتُهُ

لَقَدْ  ضِعتُ فِي (جُغْرَافِيَا) الذَّاتِ رُبَّمَا

سِرَاجُكَ قَدَّاحٌ وصَدْرِيَ زَيْتُهُ

لَقَدْ جئتُ مكسورَ الضمير وحالُنا

فسادٌ يعمُّ الأرضَ جَوْرًا رأَيْتُهُ

نجُوعُ ونعْرى في الخَريطةِ غُرْبَةً

كمَا السّيْل لم يُقْدرْ عنِ السَّعْيِ كبتُهُ

وأنتَ عدَالاَتُ السَّماءِ بِفطْرةٍ

وأَنتَ لنا غَوْثٌ بِمَا قَدْ رَمَقْتُهُ

لمَاذا جِدَارُ الأرضِ ينقَضُّ فُجْأَةً

وقَدْ قُلْتَ لاَ هَدْمًا لمَا قَدْ بنَيْتُهُ

أتَيْتُكَ يَا مَوْلايَ جَاهُكَ خَارِقٌ

فَكَسْرُ ضُلُوعِي مِن سَنَاكَ جَبرتُهُ

أُنَادِيكَ بِاسمِ البَرْقِ والرَّعْدِ هَا أَنَا

وحِيدٌ وقَلْبِي للهُيَامِ نَذَرْتُهُ

تَشَظَّيْتُ عندَ الحَوْضِ قالوا لي انتبِهْ:

شِغافُكَ هَذَا البَوْحُ مَوْتِي وَمَوْتُهُ

فَلسْتَ مِن الطِّينِ الخَفِيِّ وإنَّكَ

الجَلِيُّ الذِي مُذْ أَن عَلِمْتُ جَهِلتُهُ

أَبِي العَقلُ أُمِّي القَلبُ ذَاكِرَةٌ أَنَا

لقَدْ سَكَبَا فِيَّ الجَمَالَ فَصُنتُهُ

فَمِي ضَاعَ يَا شَمْسَ الزّمَان وَلَمْ أَضِعْ

لأَنَّ غِيَابِي كالحُضُورِ أَلِفْتُهُ

فَأَشْعِلْ مَصَابيحَ الزَّمَانِ فَإنَّكَ

الوحِيدُ الذي يَحْلُو ويُوجِعُ نَصْتُه

يَجِيءُ إِلَيْكَ الصَّاعِدُونَ بِحُرْقَةٍ

وَقَلْبُكَ قِندِيلٌ تَفَتَّقَ زَيْتُهُ

وَفِي جَنبِكَ المُسْتَضْعَفُونَ تَوَكَّأُوا

وَكُلٌّ لَهُ هَمٌّ وهَمِّي طَرَدْتُهُ

تُظلِّلُكَ الدُّنيَا فتَسْمُو تَواضُعًا

فَللنُّبلِ والإحسَان قَذْ ذَاعَ صَوْتُهُ

هُنَا الغَارُ لُغْزُ الكَوْنِ سُلَّمُ صَاعِدٍ

إِلى الحَضْرَةِ العُظْمَى فَيَشْتَدُّ فَخْتُهُ

كَلَمْحَةِ بَرْقٍ حِينَ يَعْدُو بُرَاقُهُ

عَلَى الغَيْمِ مَوْشِيًّا بِقَلْبِي حَذَوْتُهُ

دَنَى فتَدَلَّى فِي المَقَامَاتِ وارْتَقَى

إِلَى سِدْرَةٍ قُدْسِيَّةٍ حَيثُ صَمْتُهُ

كَلاَمٌ، وَهَذَ الكَوْنُ بِشْرٌ ودَهْشَةٌ

وقَدْ فَذَّ بَينَ الآدَمِيّينَ سَمْتُهُ

تأَرْجَحْتُ في زِيِّ الصَّعَالِيكِ صَائِدًا

إليكَ أَمُدُّ الحَرْفَ مَهْمَا قَبضْتُهُ

تَمَاهَيْتُ فِي الأَشْيَاءِ مَا زِلْتُ أَنتَمِي

إِلَى الطِّينِ عُمْرِي فِي فِدَاكَ جَعَلْتُهُ

أَنَا تَائِهٌ فِي الشَّرْقِ والغَرْبُ ضَائعٌ

وَحَدْسِيَ فِي جِذْعِ الغَرَامِ هَزَزْتُهُ

أَيَا سَيِّدِي والعِشقُ خَمْرَةُ مُؤْمنٍ

سَنَاكَ تَجَلَّى فِيَّ حَتَّى جَذَبْتُهُ

فَصحْتُ أَسيرَ الضَّوْءِ لَسْتُ بِقَارِئٍ

وَلكِنَّ عِطْرَ الوَحْيِ ممَّا شَمَمْتُهُ

أَنَارَ دَمِي حَتَّى اتَّقَدْتُ وَلَمْ أَكُن

سِوَى شَاعرٍ إِن كَان لي الشَّيءُ كُنتُهُ

سيَدَّكِرُ  التَّاريخُ أَنَّ (مُحَمّدًا)

بَسِيطٌ وفِي أَعْلَى السَّمَاوَاتِ بَيْتُهُ

[1]  زرياب :هو أبو الحسن علي بن نافع الموصلي،، موسيقي ومطرب عذب الصوت من بلاد الرافدين من العصر العباسي، كانت له إسهامات كبيرة وعديدة وبارزة في الموسيقى العربية والشرقية. لُقِّب بـزرياب لعذوبة صوته وفصاحة لسانه ولون بشرته القاتم الداكن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى