الروح الأممية في رسالة السيستاني لبابا الفاتيكان
تدهشني حقيقة اشراقات للمرجع الديني الاعلى السيد السيستاني يتجاوز فيها بعضاً من الضيق الايديولوجي ، منطلقا في فضاءات أكثر رحابة تتلاقى مع اشراقات الفكر الانساني الأممي خارج أي توصيفات لتقسيم البشر على اسس دينية أو عرقية ، وهي التمايزات التي اشعلت حروباً وقادت الى كوارثاً !
يقيّم السيد السيستاني لقاءه الاخير بالحبر الاعظم بابا الفاتيكان ، في رسالة جوابية ” اللقاء المهمّ الذي أصبح حافزاً للكثيرين من أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية بل ولغيرهم أيضاً للتحلّي بقدرٍ أكبر من التسامح وحسن التعايش مع من يخالفهم في الدين والعقيدة”. يتجاوز هنا السيد السيستاني اتباع الديانتين الى حدود ” ولغيرهم ” لتحقيق الهدف الاسمى بـ ” التعايش ” بين المختلفين ديناً وعقيدة ، واشارته الى عقيدة واضحة المرامي الى تلك الجماعات المختلفة مع الايديولوجيات الدينية .
ويعيد السيد السيستاني في موضع آخر من رسالته المهمة جداً على موضوعة الإختلاف العقائدي مؤكداً على “أهمية تضافر الجهود في سبيل الترويج لثقافة التعايش السلمي ونبذ العنف والكراهية وتثبيت قيم التآلف بين الناس، المبني على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين معتنقي مختلف الأديان والاتجاهات الفكرية” ، لاحظ اشارته الى الاتجاهات الفكرية و التآلف بين الناس ، والناس هنا شاملة عامة لاتقف عن حدود التوصيفات الضيقة، وشاملة ايضا لكل الاتجاهات الفكرية دون ان يميّز اتجاها فكرياً عن آخر .
ويواصل السيستاني مفاهيمه في رسالة هي الاهم في ظروفنا الحالية على المستوى الاممي ايضاً حين يؤكد على ” ضرورة بذل المزيد من الجهود للدفاع عن المضطهدين والمظلومين في مختلف أنحاء العالم”..
المضطهدون والمظلومون لادين يجمعهم ولافكرة موحدة فالاضطهاد مفهوم سياسي يشمل كل الزمكانيات التي لاتتحق فيها العدالة الاجتماعية ،والتي تنتج عنها كل حركات التطرف الدينية وغير الدينية ، فنتائج الاضطهاد واحدة ، وهو نفس المفهوم في رسالة السيستاني التي يقول فيها ” أنّ للمآسي التي يعاني منها العديد من الشعوب والفئات العرقية والاجتماعية في أماكن كثيرة في شرق الأرض وغربها نتيجةً لما يمارس ضدّها من الاضطهاد الفكري والديني وقمع الحريات الأساسية وغياب العدالة الاجتماعية دوراً في بروز بعض الحركات المتطرفة التي لا تتورع عن الاعتداء على الآخرين المختلفين معها في الفكر أو العقيدة “.
هي رسالة ليست لبابا الفاتيكان التي يتفق مع كل افكارها ، بل الى كل تلك العقول المتحجرة والجامدة التي تعارض الاختلاف وتكفّره ، رسالة عامة من المرجع الديني الاعلى ، هي درس نموذجي للشيعة والسنّة والمسيحيين واتباع كل الديانات وحملة راية العقائد والاتجاهات الفكرية حتى لغير الدينية ، وهم مسؤولون عن تحقيق مجتمعات العدالة والمساواة ، كما جاء في الرسالة ” أجد أنّ من المهمّ أن يولي الجميع اهتماماً أكبر برفع هذه المظالم، ويعملوا بما في وسعهم في سبيل تحقيق قدرٍ لائق من العدالة والطمأنينة في مختلف المجتمعات”.
هذا هو الجوهر ، لم يقل مجتمعاً توصيفيا بفكرة وعقيدة وايديولوجية ،بوضوح قال الرجل : ” مختلف المجتمعات ” !
عامر القيسي
موقع كتابات