السيد حسن نصرالله

تمكنت فتوى السيد السيستاني من استنهاض الشعب العراقي بسرعة هائلة وأخرجته من حالة الذهول والاحباط والحيرة...

جاءت سريعاً فتوى المرجعية الدينية في النجف الأشرف، فتوى سماحة آية الله العظمى المرجع الديني السيد علي السيستاني دام ظله الشريف بوجوب الدفاع والجهاد كفايةً على كل قادر على حمل السلاح، وعلى القتال، وعلى وجوب مواجهة داعش بكل قوة، وقال إن المسؤولية تتوجه إلى الجميع وأن من يُقتل في هذا الدفاع وفي هذه المعركة وفي هذه المواجهة هو شهيد في سبيل الله سبحانه وتعالى. من هنا نبدأ الحديث، لأن فتوى المرجعية ونداءها التاريخي في ذلك الوقت لكل العراقيين هو المفصل الحاسم والبداية الحاسمة لهذه النهايات الجميلة والانتصارات الكبرى، هذا المفصل، هذا المدخل، هذا الباب، هذا الأصل.

حسناً، البعض قد يقول لماذا أنتم تحاولون أن تعطوا هذه الفتوى وهذا الموقف المرجعي هذه المساحة الواسعة من الأهمية. ماذا فعلت هذه الفتوى وهذا الموقف التاريخي؟

أولاً: أخرج العراقيين والناس جميعاً من الحيرة، من الذهول، من الارتباك، ماذا سيفعلون؟ يقاتلون، لا يقاتلون؟ ما هو الموقف الصحيح؟ ما هو الموقف الشرعي؟ بالنهاية أنت تتكلم عن قتال، عن سفك دماء، تقتل وتُقتل، بالتأكيد الفتوى حسمت هذا الأمر وأنهت الحيرة والارتباك في الموقف وقالت لهم يجب عليكم أن تقاتلوا وأن تدافعوا وأن تواجهوا، حسمت الموقف.

الأمر الثاني، أن الفتوى أيضاً، يعني انظروا مجموعة جمل صغيرة، ماذا كان فعلها التاريخي. ثانياً، حددت العدو بشكل حاسم، العدو هو داعش التي كان اسمها في البداية الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي اشتبه على البعض أنها حركة إسلامية أو ثورة إسلامية، بعض المحيط رحب بها واعتبرها جزءاً من الربيع العربي ومن الثورات الشعبية وهلّل لها وصفّق لها ودعمها وساندها، جاءت فتوى المرجعية لتقول هذا هو العدو الذي يجب أن يُقاتل، والجهاد في مواجهته هو جهاد في سبيل الله ومن يُقتل في هذه المعركة هو شهيد في سبيل الله سبحانه وتعالى. إذاً حدد هوية العدو وهوية التهديد الذي يجب أن يواجَه.

وثالثاً، حمّل المسؤولية للجميع، الفتوى من المرجعية الدينية أو النداء التاريخي للمرجعية الدينية لم يتوجه فقط إلى الشيعة، إلى كل أبناء الشعب العراقي، إلى كل الشعب العراقي بمختلف انتماءاته الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية، لأن هذه الفتوى، وإن كان طابعها دينياً وشرعياً، إلا أنها تعبّر بعمق عن حقيقة الموقف الإنساني والأخلاقي والوطني الذي يتوجب على كل فرد من الشعب العراقي، ولذلك كانت المسؤولية على الجميع وكان النداء للجميع.

ورابعاً أن الفتوى رفعت سقف المواجهة مع هذا التهديد وحسمت شكل المواجهة مع هذا التهديد بعيداً عن أي ارتباك أو مساومات أو مفاوضات أو رهانات أو وقت للنقاش أو بحث عن حلول من هنا وهناك، وتمكنت هذه الفتوى المباركة والعظيمة من استنهاض الشعب العراقي بسرعة هائلة وأخرجته من حالة الذهول والاحباط والحيرة واليأس وكانت الاستجابة الشعبية والرسمية الكبيرة. لقد أعطت الفتوى زخماً قوياً وروحاً معنوية هائلة لضباط وأفراد القوات الأمنية العراقية على اختلاف تسمياتها وعناوينها، ودفعت هذه الفتوى وهذا النداء بمئات الآلاف من العراقيين شباباً وشيباً للالتحاق بجبهات القتال والتطوع، مما أدى إلى تأسيس حشد شعبي عراقي مبارك شكل منذ البداية وما زال قوة حقيقية للعراق إلى جانب القوات العراقية المسلحة التي أصبح جزءاً منها.

لذلك عندما نتحدث اليوم عن انتصار الموصل، وقبل هذا الانتصار عن الانتصارات السابقة، يجب أن نبدأ من هنا من فتوى المرجعية وندائها التاريخي، كما يفعل كل القادة العراقيين وتستمعون إليهم في بياناتهم وخطاباتهم، وكما يجب أن يفعل كل منصف في العالم، إذا كان يقارب الوضع العراقي أو يحاول أن يفهمه أو يحلله أو يقدمه للناس.

من كلمة لسماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حول تحرير الموصل.

زر الذهاب إلى الأعلى