مرجعٌ بحجم العالم

بقلم / الشيخ عبد الهادي الدراجي.

العلماءُ باقون ما بَقِيَ الدَّهرُ، أعيانُهم مفقودةٌ، وأمثالُهم في القلوبِ موجودةٌ :
حينما تتأمل في النص اعلاه – وهو نص مجتزء من كلام الامام علي ع لكميل بن زياد النخعي بعد ان يصف العلم والعلماء – ينتابك شعور الاطمئنان والسكينة والهيبة أنَّ في هذه الأمة مصاديق اولئك البررة الذين رفدوا العالم الإنساني وعياً وعلماً وبلاغةً وفقهاً وحركة في المجتمع ارشاديةً وتوعوية ونشروا التسامح والمحبة وما فتئوا يُذكَّرون الناس بدينهم ودنياهم فتراهم يتحركون في الأمة تحرك المسؤول الذي يعي حاجة المجتمع ومايريده وفق معطيات إنسانية صرفة.
الكنز العلمائي الشيعي الكريم حافلٌ بهؤلاء العظام الذين استطاعوا بمرجعيتهم ان يلَّموا شتات الأمة وشعَثِها وأن يهيمنوا بإنسانيتهم على الجميع فكانت بحق “امثالهم في القلوب موجودة” كما عبر عن ذلك الإمام علي عليه السلام في وصفهم.
ولعل ابلغ مصاديق حاضرنا المرجعي هو ماحضيت به مرجعية اية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله ، رأس المال الرمزي الإنساني والإسلامي في عالمنا المعاصر والذي أشع ضياءه على الجميع بلا فرق بين إنسان وآخر ، تنتشر مفاهيمه التسامحية بين الجميع فيتلاقفها الناس كل بحسب فكره ومنهجه ومعتقده ، مرجع نظر اليه العالم على أنه قيمة عظمى ليس للعراق وللشيعة فحسب بل لكل معنىً سامي يتحركُ بضمير وينطق عن حكمة ويستدل ببرهانٍ ، مرجع حينما يتم ذكر اسمه تتجلى صورة السماحة والبهاء حاملةً معها صورة ” الإنسان” الذي يعي قيمة تلكم الإنسانية عندما تتعرض الى المخاطر والإبادة فتأتي فتواه طبقاً لهذه المعايير في الحفاظ على النسل الإنساني من أن يستهدفهم شُذاذ الأفاق تحت مسمى الدين والعقيدة ، من هنا تشكلت في دائرة الوعي الإنساني الغربي فضلاً عن عالمنا الشرقي اهمية هذا المرجع وكينونته فأحبوه واستوعبوا أهميته وهذا ماشهدت به زيارة البابا رأس الكنيسة الكاثوليكية حينما جلس بين يدي مرجعنا بذلك التواضع وبتلك الهيبة والوقار فتشكلت في ذهنيته سمة الهيبة والأخلاق والإيمان وكأنما عاد به التاريخ الى أخلاق السيد المسيح وسمو رفعته وتواضعه بين الناس وقيامه بواجبه نحو خدمتهم ، فقال ماقال بحقه لستُ اذكره فظن خيراً ولا تسأل عن السببِ.
مرجع درس حاضر وماضي ومستقبل أمتنا ورسم بفتواه الشهيرة ضد التطرف والانغلاق مسار عمل إنساني تسامحي مستبدلاً بذلك كل النصوص المفخخة التي ارادتها داعش الأنغلاق بنصوص اخرى الا وهي نصوص الشرع السليم والقرآن الحكيم ببنودٍ وتعاليم انسانية ذات قيمة عليا كانت محط انظار المنظمات الدولية والعالمية بعد ان راعى فيها كل الطوائف واحتضنها في فتوى واحدة برعاية الأبوة المرجعية للجميع.
مرجع غيَّر خارطة المؤامرات واستبدلها بخارطة الاستعياب والأستيعاب المتبادل بعد ان صدحت كلماته وبياناته في صقاع العالم ليرسم لهم الخطر المحدق بهم جميعاً ، نعم لقد غيرت فتواه مجرى التاريخ والأحداث ولم تختصر في انقاذها على العراق فحسب بل لكل العالم فكان أن نبه الأمم على الخطر الذي يحيط بهم كنتيجة لرؤية دينية مغلوطة استخدمتها داعش كي تشوه صورة الإسلام وتعاليمه السمحاء فاستبدلت فتواه كل تلك الظلاميات والنصوص البشرية بنصوص دينية انسانية واخلاقية تسامحية بعد ان استدعت قوى الأنغلاق مفاهيم السبي والقتل والحدود المغلوطة !!!!
نعم انه مرجع بحجم العالم بعد ان استوعب قلبه جميع العالم كي ينصحه ويرشده ويهديه الى الطريق القويم وفق منظور الإسلام والدين والرؤية التواصلية مع الجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى