الخلايا الجذعية

  • 2

    السؤال:

    حيث أني بصدد كتابة رسالة دكتوراه في موقف علماء المذهب الشيعي من هذه البحوث في جامعة أجنبية تجهل عن الدين الإسلامي كل ثوابته وأصوله لذا أرجوا التفضل ببيان ما يمكن طرحه من المباني الاستنباطية الخاصة بهذه المسألة والمباني العامة المعتمدة في التعاطي مع نظائرها من المسائل المستحدثة ؟ وقد عين الأستاذان المشرفان – وهما لا دينيان – المحاور التالية للبحث :

    1- ما هي القاعدة التي يتعاطى على أساسها علماء الأديان – بشكل عام – مع القضايا العلمية الراهنة ؟ وما هي الآلية في بناء الموقف الشرعي أو الأخلاقي من تلك المسائل ؟

    2- كيف يتعاطى علماء الشيعة خاصة مع تلك المسائل ؟

    3- هل يجب أن يكون غرض البحث الطبي هو معالجة المرضى حصراً ؟ وإذا كان فهل تحدده العواقب ؟ وكيف ؟

    4- ما هي الحدود التي لا يجوز للبحث الطبي تخطيها ؟ ومن الذي يحدد ذلك ؟

    5- مع أخذ بحوث الخلايا الجذعية كأنموذج ، ما هو المنطق الذي يحكم الفقيه الشيعي في التعاطي مع المسألة ؟ وما هي القيم الأخلاقية التي تحكم ذلك المنطق ؟

    6- كيف يحصل الفقيه الشيعي على المعلومات التي تخص الموضوع ؟ وهل يكتفي ببيان السائل ؟ وهل يجب عليه متابعة كل ما يستجد ؟ أم يكتفي بالمراجعة الآنية للموضوع لدى طرح السؤال ؟

    7- هل يستشير العالم الشيعي زملاءه في الاختصاص ؟ وما طريقة تلك الاستشارة ؟

    8- كيف يتعاطى الفقيه الشيعي مع فقدان النص الصريح المتعلق بالمسألة من القرآن والسنة ؟

    9- كيف يعالج الفقيه الشيعي تزاحم الموارد من حيث القيم الأخلاقية مثل ما لو توقف إنقاذ مريض على فقد الجنين لحياته ؟

    الجواب:

    بسم الله الرحمن الرحيم

    1- يختلف علماء الأديان في الضوابط التي يعتمدونها في اتخاذ مواقفهم من القضايا المذكورة ونحوها ، وفقهاء المسلمين يعتمدون – بالدرجة الاساس – في استنباط أحكامها على القواعد العامة المستفادة من القرآن الكريم والسنة النبوية المباركة.

    2- لا يختلف فقهاء الشيعة عن فقهاء سائر المذاهب الاسلامية فيما تقدم إلا من جهتين :

    (الأولى) أنه لما ثبت عند الشيعة أن النبي(ص) قد ألزم المسلمين باتباع أهل بيته في جميع أمورهم الدينية فإن فقهاء الشيعة يأخذون بما ورد عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) في ذلك كما يأخذون بما ورد عن النبي(ص) مباشرة ، مثلاً الحكم بحرمة الإجهاض والتسبيب في تلف البويضة المخصّبة التي تعدّ حملاً يستند عندنا إلى رواية اسحاق بن عمار عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر(ع) قال قلت له : المرأة تخاف الحبل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها ؟ فقال : لا ، فقلت : فإنما هو نطفة ، قال : ان أول ما يخلق نطفة.

    (الثانية) ان في فقهاء المذاهب الإسلامية الأخرى من يعتمدون على القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وأضرابها أساساً في استنباط الأحكام الشرعية ، وليس ذلك من مذهب الشيعة.

    3- لا يتحدّد بذلك ، ولكن من وجهة نظر الفقه الإسلامي يتعين على الباحث – في كل الأحوال – أن لا يتجاوز الحدود الشرعية الالزامية ، سواء في الآليات التي يستخدمها في البحث أو في النتائج التي يسعى إلى تحقيقها ، فإنه يلزم أن لا تكون وسيلة للحرام كالافساد في الأرض والاضرار بالبشرية.

    4- قد ظهر ذلك مما تقدم في جواب السؤال السابق.

    5- قد عرف مما مرّ أن الفقيه الشيعي يعتمد في استنباط الأحكام الشرعية للوقائع المستجدة وغيرها على ما يستفيده من الكتاب والسنة ، وأما القيم الأخلاقية فهي منظورة للمشرّع الإسلامي في جميع أحكامه ولا يلاحظها الفقيه بصورة مستقلة.

    6- يستحصل الفقيه الشيعي المعلومات التي تتعلق بتحديد الموضوع الذي يريد استنباط حكمه من مختلف المصادر المتاحة له ، ويتابع ما يستجد من ذلك مما له مساس بالاستنباط ، وقد يكون ذلك عند عرض السؤال عليه ، وقد يكون قبل ذلك حسبما تتهيأ له الظروف والإمكانات.

    7- الفقيه الشيعي لا يتصدى للافتاء إلا بعد سنوات طويلة من البحث والتحقيق ويكون عندئذٍ قد حسم معظم خياراته من حيث الضوابط المعتمدة في استنباط الأحكام الشرعية ، ولكن قد تستدعي الحاجة التداول بشأن بعض القضايا فيتم ذلك من خلال مجلس الإفتاء أو نحوه.

    8- هناك قواعد عامة مستفادة من الكتاب والسنة يرجع إليها في موارد فقدان النص الخاص ، وهي مما يبحث عنها في علمي الأصول والفقه.

    9- يشكّل باب التزاحم من أهم الأبواب التي عالجها علماء الشيعة في علمي الأصول والفقه ، وقد وضعوا له ضوابط محددة تمتاز بقدر كبير من الدقة والشمول ، ولا يسع المقام التطرّق لشيء من ذلك ، ولكن فيما يتعلق بالمثال المذكور يمكن القول بأنه لا مسوّغ شرعاً لإجهاض الجنين في سبيل انقاذ حياة شخص آخر إلا إذا توقف انقاذ الأم على إجهاض جنينها وكان ذلك قبل ولوج الروح فيه فإنه يجوز لها عندئذٍ والله العالم.

    وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    علي الحسيني السيستاني

    20 / جمادى الآخرة / 1431هـ

  • 1

    السؤال:

    تشكل بحوث الخلايا الجذعية اليوم ثورة نوعية في الدراسات الطبية في الدول المتقدمة ، ويعول المختصون كثيرا على هذه البحوث في علاج الكثير من الأمراض المستعصية كمرض السكري والسرطان والألزهايمر (فقدان الذاكرة) والباركنسون (الشلل الرعاشي) واللوكيميا (سرطان الدم) وأمراض القلب وذلك من خلال إصلاح وبناء البنكرياس والكبد والمعدة والعظام والعضلات والجهاز العصبي والمخ .... وذلك باستغلال الطبيعة الهيولانية لما يسمى بالخلايا الجذعية غير المتخصصة وقابليتها للتشكل بأي صورة نسيجية مطلوبة.

    ولما كان تقدم الجنين في عمره يضيق مجال الإستفادة من خلاياه الجذعية لاندراجها في مسالك تخصصية تكسبها الممانعة عن التشكل بالمراتب التكوينية للمسالك الأخرى ، حتى صنفت عندهم – بملاحظة العلاقة بين سعة قابلية التشكل وبين تقدم عمر الجنين – إلى أربعة أصناف : كاملة القدرة ، وافرة القدرة ، متعددة القدرة ، وأحادية القدرة ، لذا فقد فضّل المختصون انتزاع هذه الخلايا الأولية في المراحل المبكرة لحياة هذا الكائن في عمر (6-12 يوما) – وهي المختصة باصطلاح الخلايا الجذعية الجنينية – وإن أدى ذلك إلى موت هذا الكائن ....

    .. فضّلوه على انتزاعها من دم الحبل السري للسقط أو للجنين الحي – وهي التي يصطلح عليها بالخلايا الجذعية للبالغين – بما لا يؤثر على حياته ، لذا نرجو من سماحتكم التفضل ببيان الموقف الشرعي من الحالات التي تعرضها الأسئلة التالية :

    1- هل يجوز إجراء هذه البحوث على الإجمال وإن أدت إلى موت هذا الكائن (zygote) (نسميه هنا بالجنين وإن كان في أيامه الأولى 6-12 يوماً وهو في هذه الحال ليس إلا مجموعة من خلايا تتكاثر) ؟

    2- متى يعدّ الجنين – في الشرع – إنساناً يحرم قتله ؟ وهل لما ذكر في النصوص الشريفة من تأخر ولوج الروح أثر على الحكم في المسألة ؟ وإذا كان ففي أي مرحلة من حياة الجنين يحدث ذلك الولوج ؟

    3- هل لكون الممارسة بحثية صرفة أو بحثية لغرض علاج الأمراض أو علاجية فعلية أثر على الحكم في المسألة ؟

    4- هل لكون الجنين ناتجاً من تلقيح صناعي أثر على الحكم في المسألة ؟

    5- هل لنمو الجنين في المختبر أو في رحم المرأة أثر على الحكم في المسألة ؟

    6- هل لأخذ الخلية أو الحويمن أو البويضة من مسلم أو غير مسلم أثر على الحكم في المسألة ؟

    7- ما حكم انتزاع هذه الخلايا من جنين متقدم في العمر فيما إذا كان الإنتزاع غير ضار بحياة الجنين ؟ وفيما إذا كان الضرر محتملاً ؟ وفيما إذا كان الضرر يقينيا ؟ وما هو مقدار الضرر المسموح بإيقاعه في جسد هذا الكائن في مقابل إنقاذ حياة مريض ؟ أو استعادة عافيته من مرض مستعص ؟

    8- يتبقى عدة أجنة إضافية بعد عملية زرع أطفال الأنابيب : هل تجوزون استخدامها للبحث الطبي بدل أن تتلف لعدم زراعتها بالرحم ؟

    9- ما حكم انتزاع هذه الخلايا من السقط مع ملاحظة الحيثيات التي ذكرت في الفروض السابقة إن كان لها أثر في الحكم ؟ وهل يتأثر الحكم في المسألة فيما لو أدى الاقبال على شراء السقط من عيادات الإجهاض غير الشرعي إلى تشجيع تلك الممارسة غير الشرعية ؟

    10- إذا استخدمت نواة خلية من نفس صاحبة البويضة لتخصيب البويضة ، فهل يؤثر على الحكم ؟

    11- من الطرق المبتكرة في استحصال الخلايا الجذعية طريقة الاستنساخ العلاجي (في مقابل الاستنساخ التكاثري) وذلك بأخذ خلايا من جسد شخص مريض ونقل نواها إلى بويضة مفرغة من نواتها ومنتزعة من امرأة بإذنها ، لتحفيز نمو جنيني بدون تلقيح بالحيامن ، فهل يجوز إيقاف نمو هذا الكائن في أيامه المبكرة بانتزاع الخلايا الجذعية منه لينتفع بها في تنمية نسيج يعالج به نفس المريض ؟

    12- ما هو الموقف الشرعي من إنتاج ما يسمى بحقيبة الأعضاء وهو كائن عديم الرأس والأطراف ناتج من التصرف في الخلايا الجذعية للجنين ؟ وما حكم الاستفادة من أعضائه بعد إنتاجه ؟ وهل يتوقف على إذن الأشخاص الذين استنسل منهم ؟

    الجواب:

    بسم الله الرحمن الرحيم

    1- إذا تمَّ تخصيب البويضة بالحويمن في المختبر وتكاثرت خلاياها فيه فلا بأس باجراء ما ذكر من البحوث عليها ، وأما البويضة المخصبة التي تكون في الرحم ولها اقتضاء البقاء والتكامل فلا يجوز التسبيب في تلفها إلا في حالات معينة ليس منها ما ذكر.

    2- لا يجوز التسبيب في تلف البويضة المخصبة من بدء وجودها في الرحم حتى قبل انغراسها في جداره ، نعم مع ولوج الروح في الجنين تشتد حرمة الإجهاض وتزداد الدية الثابتة في ذلك ، وأما زمان ولوج الروح – بالمعنى المقصود في النصوص الشرعية – فهو أواخر الشهر الثالث أو أوائل الشهر الرابع.

    3- لا أثر له فيما يحكم فيه بعدم الجواز.

    4- لا أثر له في عدم الجواز إذا كانت البويضة المخصبة تنمو في داخل الرحم.

    5- نعم ، كما ظهر مما مرّ في جواب السؤال الأول.

    6- لا أثر له فيما يحكم فيه بعدم الجواز.

    7- لا يجوز انتزاعها من الجنين إلا إذا اقتضت مصلحته ذلك ، كما إذا كان لغرض أن يجنّب بعض الأمراض الوراثية فإنه يجوز عندئذٍ بإذن وليّه ، وأما انتزاع الخلايا منه لمصلحة غيره فلا مسوّغ له.

    8- يجوز كما ظهر مما تقدم في جواب السؤال الأول.

    9- لا يجوز إذا كان أحد الأبوين مسلماً وإلا فلا بأس به في حد ذاته ولكن لا يصحّ شراؤه بل لا يجوز بذل المال بإزاء التخلّي عنه إذا كان في ذلك تشجيع على الممارسة المحرمة .

    10- لا يؤثر في الحكم بعدم الجواز مع زرع البويضة المخصبة كذلك في رحم المرأة واستعدادها للنمو والتكامل ، وأما مع وجودها في انبوبة الاختبار فلا بأس بما ذكر.

    11- يجوز ذلك.

    12- مرّ حكم انتزاع الخلايا من الجنين ، ولو تمّ انتزاعها منه وتكاثرت في المختبر حتى أصبحت كائناً بالوصف المذكور في السؤال فلا مانع من الاستفادة من أعضائه ، والأحوط لزوماً أن يكون ذلك بإذن من أخذت منه الخلايا أو بإذن وليّه.

    علي الحسيني السيستاني

    20 / جمادى الآخرة / 1431هـ

زر الذهاب إلى الأعلى