في الأزمة الأفغانية

علي المدن


تقدم مقاتلي حركة طالبان في أفغانستان يثير الرعب في نفوس الكثير من الأقليات الدينية بأن يجر ذلك إلى حدوث مجازر طائفية بحقهم. ومهما كانت دوافع الولايات المتحدة للانسحاب فإنه سيلقى جزء من المسؤولية على عاتقها فيما لو حصلت تلك المخاوف، اللهم إلا إذا كان هناك تنسيق أو اتفاق بين الإثنين يحول دون حدوث تلك الكوارث المتوقعة. أيضا فإن اهتمام الدول الغربية الكبرى بإرسال قواتها الخاصة لإجلاء مواطنيها دون اكتراث بمصير تلك الأقليات يشكل صدمة كبيرة للمدافعين عن القيم الأخلاقية المشتركة مع تلك الدول. المجتمع الدولي أمام تحدٍ كبير وعليه أن يتحمل جزءا من واجباته.
البعض يطالب المرجعيات الدينية (خصوصًا السيد السيستاني) بالتدخل لإصدار فتوى بالجهاد أو استثمار سمعته العالمية من أجل الدفاع عن “الأقلية الشيعية” خاصة. في تقديري أن هذا ليس الأسلوب الأليق بإرث السيستانية، فمضافاً إلى الفرق الهائل في عديد الأقلية الشيعية هناك وانعدام الإمكانات عندها، فإن سمعة السيستاني التي راكمها على أساس الدعوة إلى التعددية والتسامح والقبول بالتعايش بين الأديان ستكون محل تساؤل. يتوقع من السيستاني أن يتدخل ليس لحماية أقلية مذهبية معينة بل لاستثمار سمعته من أجل هدف أسمى وأكبر يتعلق بالأفغانيين جميعا. لنلاحظ مثلا فتوى الجهاد التي أصدرها السيستاني في العراق، فإنها لم تخصص بطائفة معينة بل خاطبت العراقيين كافة، ولم تضع لنفسها هدفا مذهبياً خاصا بل كان للعراق كله. في الوضع الأفغاني لا ينتظر المعجبون بالسيستاني خطابا أقل من هذا المستوى. نعم فإن مكانته العالمية يجب أن تكرس من أجل حض الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وقوات الدول الأخرى (لاسيما الغربية منها) إلى تحمل مسؤولياتها في حماية الأفغانيين من الانزلاق نحو العنف الطائفي، ويكون على أصدقاء الأطراف كافة أن يتعاونوا من أجل حماية الأقليات الدينية بلا تمييز أو تحيز؛ لأن أي خطاب فئوي سيزيد الطين بلة ويعقد المشهد أكثر. هذا ليس واجب السيستاني فقط بل وواجب جميع المرجعيات الدينية من المذاهب الإسلامية الأخرى أيضا التي يهمهما أن لا تتضاعف مشاهد تمزق العالم الإسلامي على خلفيات طائفية أكثر مما هو حاصل حتى الآن.

زر الذهاب إلى الأعلى