القيم الحضارية العليا في فكر السيستاني
القيم الحضارية العليا في فكر السيستاني
محمد عبد الجبار الشبوط
اجد في بيانات الامام السيستاني اقوى داعم لفكرة د ح ح لانها تقوم بالاساس على منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري. والسيد يؤكد في كل المناسبات على اهمية البعد الثقافي والقيمي للقضايا السياسية والاجتماعية. ويتضح ذلك على سبيل المثال وليس الحصر من قائمة المفردات التي استخدمها السيستاني في لقائه يوم امس مع ميغيل أنخيل موراتينوس وكيل الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بوضع خطة عمل المنظمة الدولية لحماية المواقع الدينية بعد الهجمات التي تعرضت لها في أماكن مختلفة في العالم في السنين الأخيرة.
وقد أكّد سماحته خلال اللقاء على أهمية تضافر الجهود في الترويج لثقافة التعايش السلمي ونبذ العنف والكراهية وتثبيت قيم التآلف المبني على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين معتنقي مختلف الأديان والاتجاهات الفكرية.
وأشار سماحته إلى أن للمآسي التي يعاني منها العديد من الشعوب والفئات العرقية والاجتماعية في أماكن كثيرة من العالم ـ نتيجةً لما يمارس ضدها من الاضطهاد الفكري والديني وقمع الحريات الأساسية وغياب العدالة الاجتماعية ـ دوراً في بروز بعض الحركات المتطرفة التي تستخدم العنف الأعمى ضد المدنيين العزّل وتعتدي على المراكز الدينية والمواقع الأثرية للآخرين المختلفين معها في الفكر أو العقيدة.
وشدّد سماحته على ضرورة معالجة خلفيات هذه الظواهر المرفوضة والمدانة في كل الأحوال، والعمل الجادّ في سبيل تحقيق قدر من العدالة والطمأنينة في مختلف المجتمعات تليق بكرامة الانسان كما أرادها الله تعالى، وهو مما يساهم في الحدّ من الأجواء المواتية لانتشار الأفكار المتطرفة.
تقوم الدولة الحضارية الحديثة اذا تمكن المجتمع من تحقيق علاقة تفاعلية منتجة بين عناصر المركب الحضاري الخمسة (الانسان، الطبيعة، الزمن، العلم، العمل). ويمكن تحقيق هذه العلاقة التفاعلية المنتجة اذا توفرت منظومة قيم عليا قادرة على تحقيق ذلك. وهذا ما تحاول ان تقدمه كل الاديان والنظريات التي تهدف الى ذلك. قد تنجح وقد تفشل لاسباب كثيرة، لكن المغزى واضح. وقد فعل الاسلام ذلك ونجح لفترة معينة في صنع حضارة تمثل الان الاب المباشر للحضارة الانسانية في مرحلتها الحالية.
وبعد ان مر العالم الاسلامي بفترة طويلة من الركود الحضاري، ظهر فيه من العلماء والمفكرين ممن عملوا الى تقديم منظومة قيم حضارية تواكب عصرها، حيث ان لكل عصر حداثته، امثال عبد الرحمن الكواكبي والنائيني والطباطبائي والصدر وغيرهم كثيرون، وصولا الى السيستاني الذي كان وما يزال اكثر العلماء حسما ووضوحا في طرح منظومة القيم الحضارية العليا وتسمية مفرداتها والترويج لها في كل مناسبة.
تتأكد قيمة الخطاب السيستاني اذا نظرنا اليه في سياقه المكاني والزماني المحدد فالسيستاني هو المرجع الديني الاعلى بلامنازع لاغلبية المسلمين الشيعة العراقيين، وهو الرمز الروحي المحترم لدى اغلب العراقيين على اختلاف انتماءاتهم المذهبية والقومية والسياسية، ماعدا فئة قليلة من المتطرفين الطائفيين او اللادينيين.
ان ما ادعو اليه في هذه المناسبة ان لا يحصر مريدو السيستاني (او مقلدوه بالتعبير الفقهي) علاقتهم به في اطار رسالته العملية، وانما ادعوهم الى الانفتاح على فكره الحضاري والقيمي والذي من شأن تطبيقه والعمل به ان ينتج مجتمعا متحضرا يكون القاعدة الاجتماعية والبشرية للدولة الحضارية الحديثة.
سيأتي من يسألني ماهي علاقة الدين بالدولة الحضارية الحديثة، وجوابي ان المسألة اعمق واوسع من هذا السؤال، واولى ان نسأل عن علاقة الدولة الحضارية الحديثة بالقيم، ليكون جوابي حاضرا وهو ان منظومة القيم العليا الحافة بالدولة الحضارية الحديثة هي العمود الفقري وخارطة الطريق بالنسبة للدولة الحضارية الحديثة.
لا يصح النظر الى خطاب السيستاني من زاوية علاقة الدين بالدولة، وانما من خلال زاوية علاقة القيم الحضارية بالدولة.
المصدر: المركز الخبري الوطني
التاريخ: 7-12-2022